أولاد جرار : النسب والاستقرار
في
إطار التقسيم الإداري الحالي فقبيلة أولاد جرار تكون جماعة حد الركادة
التي تبلغ مساحتها الإجمالية 370 كلم() و تتوفر على ساكنة تصل 13680
نسمة تمثل فيها الإناث 7212 نسمة بينما تمثل الساكنة النشيطة
3246 نسمة وتتشكل من 2350 أسرة تتوزع على 62 دوارا (1) . فما هي
المراحل التي مرت بها القبيلة قبل استقرارها على هذا الوضع ؟.
تتباين الروايات وتختلف آراء
الدارسين و المهتمين بالأنساب حول نسب بني معقل الذي تنحدر منهم قبيلة
أولاد جرار , فالقبيلة حسب بعض المؤرخين تنتسب إلى محمد بن معقل بن عقيل
بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن بن أبي طالب بن هاشم , انتشرت
بشمال إفريقيا في إطار الفتوحات الإسلامية التي عرفتها المنطقة خلال النصف
الثاني من القرن الأول الهجري فهي إذن من إحدى الفروع التابعة لعرب بني
معقل حيث يرفع إلى عبد الله بن جعفر من زوجته السيدة بنت فاطمة بنت رسول
الله (ص) فالأصل هاشمي وهم بطون أولهم أولاد رحمون بن سعيد بن محمد بن
سلام بن علي بن محمد بن منصور بن إبراهيم بن مومن بن الحسن بن حسان بن
موسى بن احمد بن سعيد بن مختار بن محمد بن معقل بن عقيل بن محمد بن
علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم .
تبقى صحة هذا النسب الشريف ن
الصعب تأكيدها أو نفيها لتضارب و اختلاف المؤرخين ويؤكد هذا ابن خلدون عند
قوله . أما أنسابهم عند الجمهور فخفية و مجهولة و النسابون من عرب بني هلال
يعدونهم من بطونهم وهو غير صحيح و هم – أي بني معقل - يزعمون أن نسبهم في
آل البيت إلى جعفر بن أبي طالب و ليس ذلك أيضا بصحيح للان الطالبيين و
الهاشميين لم يكونوا أهل بادية و نجعة (2).
من هنا يقر ابن خلدون بأنهم
يمنيون في الأصل حيث يتواجد بطنين يسمى كل واحد منهما بالمعقل , إلا أن هذا
الرأي سيقابل برد صريح و مفصل للناصري بقوله . واعلم أن ابن خلدون قد رد
قولهم وألحقهم ببني الحرث بن كعب باجتهاده و رأيه ولكن لما كان الشرع قد
صرفهم و قبل قوتهم لم يكن علينا باس برد ابن خلدون و لا ضرر علينا في
اجتهاده (3) .
ثم يستطرد الناصري الحديث في الرد
على ابن خلدون بقول . "وأما الأمر الخامس وهو أن الطالبيين و الهاشميين لم
يكونوا أهل بادية و نجعة فهو في غاية الشقوط وهل كانت الحرب التي كانت
بينهم و بين العلويين بالحجاز إلا و هم على حال البداوة و النجعة و قد ذكر
نفسه هو ذلك _ يقصد ابن خلدون _وقد تقدم عن ابن حزم أن ذرية أبي بكر
الصديق
رضي الله عنه كانوا بنجد في عرد
عظيم يحاربون الجعفريين و العلويين فيتصفون منهم ثم انحدروا إلى صعيد مصر
فهل كان ذلك منهم إلا حال البداوة و النجعة ."(4) وينفي الناصري مما تردد
من انتساب بني معقل لعرب اليمن و يفند ذلك ببقوله : " الأمر السادس هو إلحاقهم بعرب اليمن لوجود ذلك الاسم فيهم فهو أيضا واضح البطلان و مخالف لقاعدتي الشرع و الطبع " (5)
يخلص الناصري أخيرا و بعد ذكره
لمجموعة من الدلائل والقرائن الشرعية إلى أن نسب بني معقل إلى نسب صحيح لا
شك فيه فيقول " فقد بان أن بني الهراج و بني ثعلب و بني شبانة الذين هم
من جملة بني معقل نسبتهم إلى جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه صحيحة لا مرية
فيها و ل توقف حسب ما صرح به الأئمة الذين تقدم ذكرهم و ذلت عليهم القرائن
الواضحة و المعتبرة شرعا و أن إخراج ابن خلدون لبنيي معقل عن النسب
الجعفري و إلحاقهم ببني الحرث بن كعب مع اعترافه بأنهم ينتسبون إلى جعفر
ساقط لا عبرة به و الله اعلم , فان قلت فمعقل هذا بأي فرع من فروع جعفر
يتصل والى أي بطن منهم يرجع قلت الظاهر انه يرجع إلى جعفر الأمير بن
إبراهيم الأعرابي بن محمد الجواد ابن علي الزينبي ابن عبد الله بن جعفر
إذ لا شك أن بني معقل من جعافرة الصعيد هم الذين كانت لهم الرئاسة بالحجاز
و حاربتهم بنو الحسن و الحسين حتى أحلوهم عنه إلى صعيد مصر " (6) .
يبق الحسم في قضية النسب الشريف
لأولاد جرار جد صعب يتطلب المزيد من التقصي و الدراسة المتخصصة في هذا
المجال , و يعتبر سبب تسمية أولاد جرار بهذا الاسم لأنهم كانوا جيشا
جرارا أي كثير العدد و يقترن دخولهم إلى سوس بذكر اسم الشبانات (7) دخولهم
هذا كان في أواخر العصر ألموحدي بدعوة من علي بن يدر الهنتاتي الزكندي
الذي أسس إمارة متمردة بسوس سنة 651 ه 1254 م و الذي استدعاهم من نواحي
ملوية و تحالف معهم قصد مواجهة الوجود ألموحدي بسوس إلا انه وقع خلاف
بينه و بينهم انتهى بقتله سنة 688 ه 1270 م () مما أدى إلى فشل ثورة
ابن يدر و القضاء على إمارته على يد أبو الحسن المريني .(8).
لقد ساعد الموقع السهلي لقبيلة أولاد جرار على تنظيم غارات على القوافل التجارية المارة سوس عبر شنقيط نحو
بلاد السودان و كان هذا الدافع الأساسي لاستبدال التجار هذا الخط بخط سجلماسة- توات , فاستبد هؤلاء العرب
بسوس السهلية و ملكوها بالإتاوة و
تتسلطوا على وادي نون وافران ولا تزال بقاياهم هناك إلى الآن (9) وقد
يكون ذلك هو السبب الرئيسي في حروبهم المتواصلة مع الجز وليين والتي
انتهت ببيعة الجميع للسعديين , انطلاقا من هنا تراجع النفوذ ألجراري
وتناقص عدد الجرارة لتتضح صورة المنطقة أكثر انطلاقا من القرن 16 م و هنا
يرى عمر آفا أنها تقارب الصورة التي نرى عليها المنطقة حاليا .
يقول محمد المختار السوسي إن
أولاد جرار اختاروا أرضا مخصبة مائية تدر منها الخيرات (10) و تؤكد
الروايات أن المنطقة كانت عبارة عن غابة من الأ ركان في أواخر القرن 17 م
وأنها كانت تشكل مجالا خصبا للرعي مما يدفع بنا إلى القول أن ما تبقى من
هذه القبيلة كان يعيش في منازل متباعدة أو دواوير- لا زالت ذاكرة المسنين
تحتفظ بموقع بعضها - كانت تعتمد على الرعي قبيل ظهور العيون بالمنطقة (
الكلتة – عين البير – عين حسون ) .
و في بداية القرن18 م ستتغير
الوضعية السابقة خصوصا ظهور بعض العيون مما سيجعل المنطقة نقطة جذب للسكان
من العائلات و الأسر اليهودية و البربرية الجبلية و العربية الصحراوية في
وقت لاحق ليتمحوروا حول هذه العيون و الآبار فتنشأ بذلك نوى اغلب الدواوير
الحالية (11) .
خلال القرن 19 م تطورت المظاهر
العمرانية و الزراعية بشكل كبير حيث لوحظ أن العائلات – الأبوية – تقطن
دورا عديدة و تتوفر على أملاك شاسعة بورية و مسقية ترتبط بها يد عاملة
مسترقة , إضافة إلى قطعان الماشية كما تتوفر على السلاح ( بنادق ) للدفاع
نفسها و ممتلكاتها , يضاف إلى هذا كون الفلاح الجراري استطاع تطوير وسائله
التقنية منذ وقت مبكر حيث استعمل معاصر الزيت و رحى الماء و الناعورات .
وبما ان القبيلة تشهد صراعات على
المستوى الداخلي إضافة إلى صراعها مع القبائل المجاورة كان لابد من تنظيم
نفسها تحت إشراف رؤساء بمساعدة " جماعة انفلاس " إضافة إلى الدور المهم
الذي يلعبه الفقهاء و الشرفاء في فك النزاعات و من بين أقدم رؤساء القبيلة
نجد سعيد بن سلام و علي بن غانم (12) .
و مع مقتل آخر الشيوخ الأصليين
للقبيلة تولت الزعامة و منذ 1825 م أسرة آل بورحيم ذات الأصل الصحراوي
والتي أدخلت مفهوما جديدا للسلطة بالمنطقة هو منصب القائد الذي سترثه أبا
عن جد إلى حلول الاستقلال , ا استطاعت عائلة
اذ بورحيم خلال هذه الفترة و بفعل جبروت بعض قوادها أن تركز الملكية العقارية و المائية في يدها بشكل كبير .
ـــــــــــــــــ
* هوامش :
1 préparation du plan de devlepement économique social 1999-2003 . C.R.Reggada.
2 تاريخ العبر - ابن خلدن ج 2 ص 174 .
3 أبو العباس احمد الناصري - طلعة المشتري في النسب الجعفري – الجزء 1 ص 113 .
4 أبو العباس احمد الناصري - طلعة المشتري في النسب الجعفري – الجزء 1 ص 113 .
5 أبو العباس احمد الناصري - طلعة المشتري في النسب الجعفري - الجزء 1 ص 114 .
6 أبو العباس احمد الناصري - طلعة المشتري في النسب الجعفري - الجزء 1 ص 118 .
7 محمد المختار السوسي - المعسول - الجزء 19 ص 148 .
8 مجلة دراسات 1987 العدد 1 كلية الآداب و لعلوم الإنسانية اكادير ص 27-29 .
9 محمد المختار السوسي - المعسول - الجزء 19 ص 148 .
10 محمد المختار السوسي - المعسول - الجزء 19 ص 148 .
11 احمد حجي - تنظيم السقي بعين حسون 1988-1989 .
12 محمد المختار السوسي - المعسول - الجزء 19 ص 148 .