السبت، 16 فبراير 2013

قراءة في كتاب

 المُغْرب في حُلَى المَغرب
لابن سعيد المغربي تـ 685 هـ 
  • إعداد: حكيمة رافـع
طالبة باحثة/ جامعة الحسن الثاني بالبيضاء
تقديم عام:
         تعد مصادر التراث العربي الإسلامي من أغنى وأخصب المصادر التراثية في العالم، كما وكيفا في عمقها وسعتها وشموليتها، مما يجعل الضرورة واردة للاهتمام بها والحفاظ عليها صيانة أو تحقيقا أو دراسة أو طبعا أو نشرا من أجل إثبات الهوية العربية والحفاظ على الشخصية الإسلامية من جهة، ومن جهة أخرى بغية وصل الحاضر بالماضي لمواكبة تطورات العصر ومسايرة مستجداته.
         وسأحاول في هذا العرض أن أقدم بين أيديكم قراءة متواضعة لمصدر من أهم مصادر تراثنا المغربي الأصيل المُغرب في حلى المغرب من تأليف ستة من علماء المغرب بالموارثة، خمسة منهم من أسرة واحدة كان خاتمهم علي المشهور بابن سعيد المغربي الذي تم على يده تأليف الكتاب بالصيغة النهائية ونشره بعد ذلك بين الناس.
        وقد اعتنى بهذا المصدر الذي يجمع بين دفتيه العديد من المعارف التاريخية والأدبية الدكتور شوقي ضيف رحمه الله، وعمل على تحقيقه وطبعه عدة مرات بدار المعارف بمصر في جزئين، الطبعة الأولى كانت سنة 1953م، وكانت الطبعة الرابعة والأخيرة سنة 1993م.
ولقد قسمت هذا العرض إلى المحاور التالية:

·                    نضرة عامة حول عصر ابن سعيد وحياته.
·                    توثيق عنوان الكتاب ونسبته إلى ابن سعيد.
·                    قيمة الكتاب وموضوعه ومنهجية ابن سعيد في تصنيفه.
·                    المادة الأدبية في الكتاب.
·                    المصادر المعتمدة في تأليف الكتاب.
·                    خاتمة العرض.
 1- نضرة عامة حول عصر ابن سعيد وحياته:
               عاش ابن سعيد في القرن السابع الهجري مطوفا بين العديد من البلاد الإسلامية شرقا وغربا من الأندلس إلى بلاد الشام: حينها كان العالم الإسلامي يعيش مرحلة مخاض عسيرة بسبب الحروب الكثيرة التي كانت تدور رحاها بين المسلمين والتتار شرقا وبين المسلمين والنصارى غربا واندلاع نيران الفتن والصراعات الداخلية حول الحكم بين المسلمين أنفسهم على أكثر من جهة، فالأندلس عرفت انهزام الموحدين في موقعة العقاب، تلاها بعد ذلك سقوط العديد من الحواضر الأندلسية في يد الصليبين وانهيار الموحدين سنة 660 هجرية على يد الدولة المرينية التي قامت على أنقاضها واستطاعت خلال فترة قليلة من الزمن أن تغزو الإسبان وتسترجع منهم بعض المدن الأندلسية.
وعلى الرغم من تدهور الأوضاع السياسية التي أثرت بشكل كبير في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فإن العالم الإسلامي عرف ازدهارا علميا وثقافيا كبيرا بسبب كثرة رحلات العلماء والأدباء، فنشطت العلوم الشرعية واتسعت دائرة الحركة الأدبية ونبغ العديد من العلماء في مختلف العلوم والمعارف وعلى رأسهم ابن سعيد المغربي موضوع عرضنا هذا، فمن هو ابن سعيد ؟
   حياة وشخصية ابن سعيد في سطور:
              هو علي بن موسى بن محمد بن عبد الملك بن سعيد، ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل عمار بن ياسر، يكنى بأبي الحسن وبنور الدين، وهما من الكنى والألقاب التي شاعت في المشرق بشكل كبير. ولد سنة 610 هـ بنواحي غرناطة، من أسرة عريقة في الحسب والنسب، والعلم والقيادة والوزارة والقضاء والكتابة، قضى فترة طفولته بغرناطة، وفترة شبابه بإشبيلية، على يد رواد الأدب والنحو في عصره، وفي سنة 624 هـ وعمره لا يتجاوز 14 سنة سافر مع أبيه إلى مراكش ثم عاد إلى الأندلس متنقلا بين العديد من حواضرها، والتقى خلالها بالكثير من الشخصيات العلمية التي استفاد منها وخصها بالترجمة في كتابه المغرب في حلى المغرب موضوع عرضنا.
وفي سنة 636 هـ سافر مع والده إلى تونس بعد تدهور الأوضاع بالأندلس، مكث بها سنتين والتقى خلالها بكبار علمائها وجمع فيها الكثير من المواد العلمية، ومن تونس انتقل إلى مصر، لقي فيها عددا كبيرا من الشعراء المشهورين والأعيان والعلماء المرموقين، وفي سنة 648 هـ غادر القاهرة إلى مكة، حيث أدى فريضة الحج، ثم توجه إلى العراق وزار خلالها البصرة وبغداد، ثم سافر إلى الموصل ومنها إلى مدينة حلب بسوريا، وفي سنة 652 هـ توجه إلى مكة ليحج مرة ثانية، وبعدها عاد إلى تونس ليلتحق بحاشية أبي عبد الله المستنصر الحفصي، وبسبب المكائد والدسائس التي كانت تحاك ضده غادر تونس إلى المشرق فزار الشام ثم إيران، وتوغل في إقليم أرمينيا ثم عاد في المرحلة الأخيرة في عمره إلى تونس ليقضي بقية حياته إلى حين وفاته سنة 685 هـ.
وهكذا عاش ابن سعيد يجوب أقطار العالم الإسلامي، فاكتسب تجربة ثقافية واسعة ظهرت آثارها جلية واضحة فيما خلفه من مصنفات أدبية وتاريخية وجغرافية، فكان محط اهتمام وثناء من قبل العديد من العلماء الذين جاءوا من بعده، من أمثال ابن الخطيب وابن فضل الله العمري والصفدي والمقري وغيرهم…
وخلاصة القول كان ابن سعيد أديبا شاعرا لغويا رحالة مؤرخا جغرافيا، خلف ثروة ثقافية غزيرة تشهد له بعلو كعبه في كثير من مجالات العلم والمعرفة أذكر من أهمها على سبيل المثال لا الحصر: المرقص والمطرب، رايات المبرزين وغاية المميزين، الغصون اليانعة في شعراء المائة السابعة، بسط الأرض في الطول والعرض وغيرها من المصنفات.
أما مصنفه المُغرب في حلى المغرب فهو كتاب نفيس جليل القدر عظيم الفائدة، ويعد من أمهات المصادر القيمة لتاريخ الأندلس وآدابها عبر عصورها المختلفة، اعتمد عليه الكثير من العلماء القدماء في مؤلفاتهم، نذكر منهم القلقشندي في كتابه صبح الأعشى والمقري في كتابه نفح الطيب.
2 / عنوان الكتاب ونسبته إلى مؤلفه:
              أجمع المؤرخون وأصحاب تراجم الأعلام أن اسم الكتاب هو المٌغرب في حلى المَغرب ، وبخصوص نسبته إلى ابن سعيد، فالكتاب تم تأليفه بالتوارث من قبل ستة علماء من الأندلس، أولهم أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الحجاري، الواضع الحجر الأساس لهذا الكتاب من خلال كتاب المُسهب في فضائل المغرب، كان قد صنفه لعبد الملك بن سعيد الذي يعد المؤلف الثاني لكتاب المُغرب، اختصر منه ما لم يوافق غرضه، وأضاف إليه ما غفله الحجاري، ثم خلفه ابناه محمد وأبو جعفر أحمد، اللذان شاركا في تأليف كتاب المُغرب ووسعا من دائرة معلوماته. وأما أبرز شخصية كان لها تأثير كبير في هذا التأليف، فهو موسى بن محمد بن عبد الملك الذي يرجع إليه الفضل في وضع إضافات جديدة، كما أكد ذلك ابنه علي الذي أتم الكتاب وأخرجه في حلته النهائية. وهكذا يكون كتاب المُغرب في حلى المغرب أطول كتاب في مدة تأليفه فاقت 115 سنة.
·       عنوان الكتاب:
            ورد عنوان الكتاب مسجوعا على عادة القدماء، بطريقة بديعة وبانتقاء ألفاظ مناسبة لموضوع الكتاب، مع توظيف الجناس غير التام بين المُغرب والمَغرب، يحذو في ذلك المؤلف حذو ابن عبد الله محمد الحجاري في كتابه الموسوم بـ المُسهب في غرائب المغرب، الذي انتهى من تأليفه سنة 530 هـ، ويحذو حذو أبي محمد المازني الغرناطي (ت565هـ) في كتابه المُغرب عن بعض عجائب المَغرب، وحذو أبي يحيى اليسع (ت575هـ) في مؤلفه المُغرب في آداب المَغرب، وعلى نهج عبد الواحد المراكشي (ت647هـ) في كتابه المُعجب في تلخيص أخبار المغرب.
والمُغرب هنا جاء بمعنى الغرابة التي قال عنها الدكتور إحسان عباس تعني الجدة المصاحبة للابتكار، أو الجدة المصاحبة لتوليد شيء جديد. (تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص:534).
·        موضوع الكتاب :
          إن كتاب المُغرب في حلى المغرب لم يؤلفه عالم واحد، بل هم من تأليف ستة من العلماء بالتوارث على مدى مائة وخمسة عشر عاما، وهو منهج جديد في تاريخ تأليف المصنفات حين يبدأ رأس الأسرة بالاهتمام بكتاب المُسهب للحجاري، والزيادة في معلوماته، ويواصل أحفاده من بعده ما استجد في واقع عصرهم إلى أن يأخذ صورته النهائية على يد الحفيد على بن موسى، الذي أخرجه للناس ونشره بينهم في المشرق، ليتعرف المشارقة من خلاله على أدب الأندلس الرفيع، وعلو كعب الأندلسيين في مجال الشعر والنثر من جهة، ومن جهة أخرى للحفاظ على هذا التراث من الضياع، خصوصا بعد اندلاع الحروب الصليبية وسقوط العديد من المدن الأندلسية. وهكذا يكون الكتاب جامعا مانعا لتاريخ الأندلس عبر فترات من الزمن، سياسيا واجتماعيا وحضاريا وجغرافيا وأدبيا، وترجمة واقية حية صادقة لعدد من الأعلام.
·        مضمون الكتاب:
         يقع كتاب المُغرب في حلى المغرب في جزئين كبيرين، يحتوي الجزء الأول على 468 صفحة، منها ثلاثون صفحة خاصة بمقدمة المحقق، وعشرون صفحة الأخيرة خاصة بفهرس المواضيع، والباقي من الصفحات مخصصة لترجمة 323 علما من أعلام الأندلس، القدامى والمعاصرين للمؤلف.
 أما الجزء الثاني فيحتوي على 467 صفحة مذيلة بـ 47 صفحة خاصة بفهارس مواضيع الجزء الثاني، مع فهارس عامة لكل من الجزئين، تشمل الأعلام والأماكن والبلدان والمصادر والمراجع الخاصة بالمحقق، مع صفحات أخرى تتناول 324 ترجمة خاصة بأعلام الأندلس القدامى والمعاصرين، وبذلك يكون مجموع التراجم الواردة في الجزئين معا 647 ترجمة.
وإذا كانت كتب التراجم والطبقات عادة ما يغلب عليها منهج ترتيب الأعلام حسب حروف المعجم كما هو الشأن عند ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان مثلا، فإن كتاب الُمغرب تميز بطريقة لم تكن شائعة عند المشارقة، وهي اعتماده على المقياس الجغرافي والسياسي لما لهما من دور كبير في حياة المترجم له وآثاره وشخصيته وفكره.
ويؤكد ابن سعيد منهجه هذا عند حديثه عن كتابيه المغرب في حلى المغرب والمُشرق في حلى المشرق، فيقول: كل من التصنيفين مرتب على البلاد، متى ذُكرَ بلد ذَكَرتُ كورَهُ، وأكَلم عليه وعلى كل كورة منه، وأبتدئُ بكرسي مملكتها وقاعدة ولايتها بحسب مبلغ علمي من إعلام بمكانها بين الأقاليم، من بناها، وما يحف بها من نهر أو منزه، أو خاصة معدنية أو نباتية، ومن تداول عليها من أبناء الملوك، ثم نأخذ في الطبقات واحدة بعد أخرى، وهي خمس، طبقات الأمراء، وطبقة الرؤساء، وطبقة العلماء، وطبقة الشعراء، وطبقة اللفيف، والأربع الأولى ( أي طبقة الأمراء والرؤساء والعلماء والشعراء)، مخصوصة لمن له نظم من أولي الخطط المذكورة، ولها تفسير نقف عليه في مواضعه، وطبقة اللفيف مخصوصة بمن ليس له نظم من أي صنف كان، ممن لا يجب إغفاله، وفيها من النوادر والمضحكات. ( المغرب مقدمة المحقق، الجزء الأول صفحة 9) .
ونجد ابن سعيد في كتابه المُغرب في حلى المغرب يقسم الأندلس إلى ثلاثة أقسام، غرب ووسط وشرق، فيقسم الغرب إلى سبعة كتب والوسط إلى أربعة والشرق إلى ستة كتب، ثم يزيد في تقسيم الكتاب باعتبار كور المملكة، ففي الكتاب الخاص بمملكة قرطبة، مثلا في الغرب يقسمها إلى أحد عشر كتابا، وكل كتب من هذه الكتب الأحد عشر منقسم بدوره إلى كتب باعتبار أهم البلدان في الكورة، وبهذا تتضح أن هذه الطريقة متميزة وفريدة ومعقدة أيضا.
وقبل أن يشرع ابن سعيد في ترجمة أي علم من الأعلام، نجده يتحدث عن المنصة، ويقصد بها وصف كل إقليم وصفا جغرافيا شاملا، فيتحدث عن قواعده ومنشآته ومنتزهاته وغير ذلك، ثم يتبعه بما يسميه بـ التاج، وهو متعلق بالكلام عن حكام ذلك الإقليم، ثم يليه السلك وهو خاص بالحديث عن أشرافه ورؤسائه من وزراء وكتاب وقضاة، ثم تأتي بعده ما أسماها ابن سعيد بـ الحلة، وهي خاصة بطبقة اللفيف ممن ليس له نظم ولا شعر من الطبقات السالف ذكرها، وفي الأخير يورد ما يسميه الأهداب، وهي متعلقة بالوشاحين والزجالين ويتبعهم ببعض المضحكين وما اشتهر من نوادرهم، ثم ينتقل إلى التاج فيبدأ بإعطاء لمحة موجزة عن تاريخ هذه المدينة والحوادث التي تعاقبت عليها، ثم يأخذ في الترجمة لإبراز شخصية سياسية مهمة فيها، وهو المتوكل عمر بن المظفر الذي تولى حكمها، لينتقل بعد ذلك إلى السلك، فيتحدث عن حكام الإقليم من أمثال ذي الوزارتين أبي الوليد الحضرمي، (المغرب الجزء الأول،ص: 365)، بعد ذلك ينتقل للحديث عن أبرز كتاب هذا الإقليم كأبي بكر عبد العزيز، وأبي محمد طلحة، وأبي الحسن ( المغرب الجزء الأول، ص:366)، ثم يتحدث عن أبرز علمائه (الإقليم)، من أمثال أبي الأصبع، لينتقل بعد هذا إلى ما يسميه الأهداب يورد فيها موشحة للكميت.
فكتاب المغرب إذن قائم على تلاحم بين قوي بين الجغرافيا والأدب والوقائع والأحداث السياسية، وكل التراجم والنصوص الشعرية ترتبط بأجواء مدنها وأوصاف تلك المدن وطباع أهلها، وما وقع فيها أحيانا من حوادث، ولعل تأثير الجانب الجمالي للمدن أثر بشكل كبير في عقلية ابن سعيد، حتى أنه قسم كتابه على هيئة عرائس، فكل مدينة تتمثل بالنسبة إليه عروسة لها تاجها وبساطها ومنصتها وأهدابها…
كما نلاحظ أن ابن سعيد يركز في كل قسم على من أقسام هذا الترتيب على مدى بروز العلَم أو عدمه، فتراه يستهل تراجمه بالحديث عن الشخصيات السياسية القوية والبارزة، ثم يتبعها بمن هي أقل بروزا منها، وهكذا يفعل في كل قسم، مع تراوح التراجم بين الإطناب أحيانا والاقتضاب أحيانا أخرى، ولعل السبب في ذلك حجم المعلومات التي حصل عليها المؤلف.
وخلاصة القول فإن ابن سعيد في تراجمه يركز تركيزا شديدا على مدى بروز العلم أو خفوته، مما يؤكد مدى إلمامه الكبير بأبرز الأعلام في مختلف الأقاليم الأندلسية. والظاهر أن ابن سعيد حاول من خلال تراجمه الكثيرة والوفيرة أن يقدم لنا صورة واضحة عن عصره بغثه وسمينه، بخيره وشره، حتى أنه كان أحيانا يرفق حياة المترجم له من أهل السياسية بأحكام نقدية تتعلق بسلوكهم السياسي.
3 / المادة الأدبية في كتاب المُغرب :
           لم يكتف ابن سعيد في تراجمه للشخصيات على اختلاف طبقاتها بسرد حياتهم وأهم ما وقع من أحداث في عصرها، بل كان يعمد إزاء ذلك إلى تدوين آثارها الأدبية الشعرية والنثرية وغيرها، لإبراز مدى قدرة الشخصية الأندلسية على مجاراة نظيرتها المشرقية، كما اهتم ابن سعيد بالمناطق التي أنجبت كبار شعراء الأندلس من قبيل مملكة قرطبة التي تمثل لها بسبعة وتسعين أدبيا وشاعرا، ومملكة إلبيرية التي تمثل لها بتسعة وستين شاعرا، ومملكة طليطلة التي تمثل لها بأربعين شاعرا، وكل هؤلاء الشعراء من مختلف طوائف الأندلس، من الملوك مثل المعتمد بن عباد، وأبيه المعتضد بن عباد، ومن الوزراء وهم من الكثرة بمكان، مثل ابن زيدون وابن عمار وابن عبدون وبني سعيد وغيرهم…، ومنهم أيضا علماء اللغة والأطباء والموسيقيون والزهاد والمنجمون والقراء والفلاسفة والمؤرخون وأبناء العامة، كما أن الكتاب لم يغفل الترجمة والاستشهادات الكثيرة للنساء، من أمثال حمدونية بنت زياد وولادة بنت المستكفي وحفصة بنت الحاج الركونية…
كما ترجم الكتاب لشعراء من غير العرب وغير المسلمين من أمثال إسحاق بن شمعون اليهودي وحسداي بن يوسف الإسرائيلي، وإبراهيم بن سهل الإسرائيلي الذي أسلم فيما بعد، ومن النساء قسمونة بنت إسماعيل اليهودية …، كما ترجم الكتاب للعديد من شعراء النصارى، وبذلك يكون قد شمل الترجمة لكل طوائف الأندلس، من رجال ونساء، ومن عرب وبربر، ومولدين ويهود ونصارى، وقواد وأمراء وعامة، بل أحيانا يورد ترجمة لبعض قطاع الطرق من مثل أبي الحسن علي بن جودي ويورد له أبياتا من الشعر كما في الصفحة 110 من المجلد الثاني.
ولعل من الظواهر التي تلفت نظر الطالب من خلال تصفح الكتاب ظاهرة الحضور القوي للشعر فيه، فنجد في غالب الأحيان ارتباط الترجمة بالنصوص الشعرية للمترجم له على اختلاف تلاوينها وبحورها وأغراضها والمجال التي قيلت فيه، من مدح وفخر ورثاء وهجاء، أو مجون أو وصف للطبيعة، وغيرها من الأغراض الكثيرة والمتنوعة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر في غرض المدح مثلا قول أبي الوليد حسان في مدح المعتمد بن عباد (المغرب: 1/385 ) من قصيدة من البحر البسيط مطلعها:
                   من استطال بغير السيف لم يطُل       ولم يخبْ من نجاح سائل الأسد
ومن شعر الفخر نذكر قول أبي الوفاء زياد بن خلف من البحر الطويل في قصيدة مطلعها(المغرب:2/152 ):
                  دعوني إذا ما الخيل جالت فإن لي        هناك بسيفي جيئة وذهاب
إلى أن يقول:
                     سيبلغ ذكري الخافقين بسالة          وجودا وإلا فالثناء كذاب
كما نجد أشعار كثيرة في غرض الرثاء، كما في قول أبي بكر محمد بن الجراوي (المغرب 2/116) من البحر الطويل، وهي من بدائع الشعر في الرثاء:
حنانيك قد أبكيتَ حتى الغمائما        وشققتَ عن أزهارها الكمائما
وأدميتَ خدا للبروق بلطمـهَا         وخلفت من نوح الرعود مآثما
ومن الأغراض الشعرية التي نعثر عليها في تراجم المُغرب ما يسمى بشعر الأسر أو شعر السجون، ومنه هذا البيت من البحر الطويل:
يعض برحلي الحديد وليس لي          حراك لما أبغي ولا أتنقــــل
ومنه قول أبي عبد الله محمد بن مسعود الغساني من البحر البسيط (المغرب:2/191):
     غدوت في الحبس خدنا لابن يعقوب       وكنت أحسب هذا في التكاذيب
       رامـتْ عُداتـي تعذيبي وما شعرَت       أن الذي فعلـــوه ضدُّ تعديبي
    لم يعلمـوا أن سجني لا أبا لهــم          قد كان غاية ممــولي ومرغوبي
ومن شعر الحكمة في كتاب المغرب قول أبي تمام من البحر الوافر المغرب: 2/40:
                    صغار الناس أكثرهم فسادا           وليس لهم لصالحة نهوض
                    ألم تر في طباع الطير سـرا           تسالمنا، ويأكلنا البعوض
ومن شعر الهجاء الذاتي في الكتاب، قول أبي الحسن على بن حزمون يهجو نفسه (المغرب 2/128):
تأملت في المرآة وجهي فخلته         كوجه عجوز قد أشارت إلى اللهو
إذا شئت أن تهجو تأمل خليقتي        فإن بها ما قد أردت من الهجـو
وخلاصة القول عن هذا الكتب، فهو من كنوز التراث الأندلسي، يتناول الأندلس من الناحية الأدبية والتاريخية، والتطورات السياسية والاجتماعية بقدر غير قليل من التفصيل، فتناول تاريخ بني أمية واهتم بملوك الطوائف والمرابطين والموحدين وما جرى في أيامهم من حروب وفتن وانتصارات وهزائم، هذا فضلا عن الوصف الجغرافي لكثير من المدن الأندلسية والملامح الاجتماعية التي يمكن  أن نستخلصها من أحداث الكتاب وأخباره وتراجم أعلامه.
4 / المصادر المعتمدة في تأليف الكتاب:
        لقد أبان ابن سعيد عن وعي عميق بقضايا عصره، ساعده في ذلك اطلاعه الواسع على عدد من أمهات المصادر التي اطلع عليها خلال رحلاته الطويلة غربا وشرقا، متنقلا بين العديد من المدن والدول الإسلامية، التي كان يزور فيها الكثير من الخزائن العلمية، ويقابل خلالها العديد من أعلام الساسة والأدب، يجالسهم ويأخذ عنهم، مما أهله ليكون ذا موسوعة ثقافية في مختلف مجالات العلوم والمعارف الأدبية والتاريخية والجغرافية.
وهكذا نجد المصادر التي اعتمدها في كتابه كثيرة ومتنوعة يمكن حصرها في ثلاثة أنواع من المصادر هي:
·                    مصادر كتابية.
·                    مصادر شفهية.
·                    مصادر واقعية تعتمد المشاهدة ودقة الملاحظة.
أما عن مصادره الكتابية فهي مصادر مغربية ومشرقية تضرب بجذورها في عمق القرن الرابع الهجري، مرورا بالقرنين الخامس والسادس الهجريين، وصولا إلى عصر المؤلف في القرن السابع الهجري، فمن مؤلفات القرن الرابع الهجري:
·                    تاريخ إفريقيا والمغرب للرقيق القيرواني.
·                    المقتبس وكتاب المبين لابن حيان.
·                    تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي.
·                    جدوة المقتبس للحميدي.
ومن مؤلفات القرن السادس الهجري:
·                    قلائد العقيان للفتح بن خاقان.
·                    الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسام الشنتريني.
·                    كتاب الصلة لابن بشكوال.
·                    المُغرب في آداب المغرب لابن اليسع.
·                    المطرب من أشعار أهل المغرب لابن دحية.
أما المصادر المشرقية المعتمدة في كتاب ابن سعيد نذكر منها:
·                    يتيمة الدهر للثعالبي.
·                    خريدة القصر وجريدة العصر للعماد الأصفهاني.
·                    عقود الجمان من شعراء الزمان لابن الشّعار.
 إلى غيرها من المصادر النفيسة المطبوعة والمخطوطة، المفقودة منها أو الموجودة، والتي تعطي لكتاب المُغرب أهمية بالغة لما حفظته من أخبار مختلفة ومتنوعة عن حضارة المغرب عبر عصوره المختلفة، وبالتالي تعطينا صورة واضحة مشرقة عن قيمتها العلمية والأدبية والتاريخية والجغرافية، ومن جهة أخرى تمكننا من تكوين فكرة جلية عن شخصية ابن سعيد العلمية والمعرفية، من خلال اعتماده على هذا الكم الهائل من المصادر المتنوعة، ومسايرته لكل ما يستجد من كتابات في الأندلس والمشرق، هذا فضلا عن مصادره الواقعية، التي استقاها عن طريق مشاهداته  ومخالطته لكثير من أهل العلم والأدب، وجمعه لأخبارهم وأعمالهم الشعرية والنثرية، والتعريف بجغرافية الكثير من المدن التي زارها، ومما يدل على مصادره الواقعية قوله شاهدت كذا، أو لقيته بالجزيرةـ أو عن طريق مصادره الشفهية، يستمدها مباشرة من أفواه معاصريه، فيقول مثلا عن والده ذكر لي والدي أو أخبرني والدي أو أملى علي والدي، وأحيانا لا يذكر مصدر من ترجم له ذُكر لي أنه من شعراء قرطبة الذين رحلوا إلى المشرق.
وخلاصة القول، فإن اهتمام ابن سعيد بالمصادر الواقعية بالمشاهدة أو المشافهة قد أضفى على تراجم كتابه نوعا من الحيوية والجدة، إذ نقرأ فيه لوزراء وحكام وكتاب وقضاة وشعراء، ممن شاهدهم وعاشرهم وسمع منهم، ونقل عنهم بكل صدق وأمان.
5 / خاتمة:
هكذا يمكننا القول بأن كتاب المغرب في حلى المغرب من كنوز تراث الغرب الإسلامي عامة، الأندلسي والمغربي منه خاصة، قائم على تلاحم بين قوي بين الجغرافيا والأدب والوقائع والأحداث السياسية، يتناول فيه الأندلس من الناحية الأدبية والتاريخية، والتطورات السياسية والاجتماعية بقدر غير قليل من التفصيل، فتطرق إلى تاريخ بني أمية واهتم بملوك الطوائف والمرابطين والموحدين وما جرى في عصرهم من حروب وفتن وانتصارات وهزائم، هذا فضلا عن الوصف الجغرافي لكثير من المدن الأندلسية والملامح الاجتماعية التي يمكن  أن نستخلصها من أحداث الكتاب وأخباره وتراجم أعلامه.

2 التعليقات:

http://www.mediafire.com/file/06zp5e6o8ol5vej/%25D8%25B5%25D9%2584%25D9%258A%25D8%25A8%25D9%258A%25D8%25A9_%25D8%25B5%25D8%25AD_%25D9%2588%25D9%2581%25D8%25A7%25D9%2582_%25D8%25AD%25D8%25AA%25D9%2589_%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A7%25D8%25AD%25D9%2585%25D9%2582.doc/file



صليبية صح وفاق حتى الاحمق

https://fr.scribd.com/document/436160008/%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B4%D8%B1%D9%81-%D8%AA%D8%A8%D9%88%D9%86

إرسال تعليق